فصل: السادسة عشرة:

صباحاً 7 :32
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
22
الإثنين
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإنافة فيما جاء في الصدقة والضيافة (نسخة منقحة)



.السادسة عشرة:

صدقة الصحيح أفضل من صدقة المريض لحديث الشيخين: «سئل رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أي الصدقة أعظم؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت لفلان كذا، ولفلان كذا، الا وقد كان لفلان».

.السابعة عشرة:

قال النووي رحمه الله في المجموع يستحب استحبابا متأكدا صلة الأرحام، والإحسان إلى الأقارب واليتامى والأرامل، والجيران، والأصهار، وصلة أصدقاء أبيه وأمه وزوجته،والإحسان إليهم.
وقد جاءت في جميع هذا أحاديث كثيرة مشهورة في الصحيح، جمعت معظمها في رياض الصالحين. انتهى، ومر منها جملة.

.الثامنة عشرة:

مر في الأحاديث السابقة أن الوكيل في الصدقة أحد المتصدقين منها خبر الشيخين أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: «الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به فيعطيه كاملا موفرا طيبة به نفسه، فيدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين» أي بالتثنية والجمع.

.التاسعة عشرة:

قال السرخسي وغيره من أصحابنا وغيرهم من العلماء: يجوز للمرأة أن تتصدق من بيت زوجها للسائل وغيره بما أذن فيه صريحا، وبما لم يأذن فيه، ولم ينه عنه، إذا علمت رضاه به، فإن لم تعلم حرم عليها.
ومرادهم بالعلم هنا ما يشمل الظن.
قال في المجموع: وهذا التفصيل متعين، وعليه يحمل الأحاديث الواردة في ذلك، وهكذا حكم المملوك المتصدق من مال سيده على هذا التفصيل.
وتلك قد مر معظمها، منها حديث الشيخين: «إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة، كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب، وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا».
وحديث لمسلم: «لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه، وما أنفقت من كسبه من غير أمره نصف أجره له».
أي إن علمت أو ظنت رضاه فلها أجر وله أجر كما مر.
وروى مسلم: عن عمير مولى آبى اللحم بهمزة ممدودة مع كسر الباء قال: أمرني مولاي أن أقدد لحما، فجاءني مسكين فأطعمته منه، فعلم بذلك مولاي فضربني، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فدعاه، فقال: «لم ضربته؟» فقال: يعطي طعامي بغير أن آمره، فقال: «الأجر بينكما».
وهذا محمول على أنه ظن أن سيده يرضي بذلك القدر، فلم يرض لاحتياجه إليه بمعنى آخر، فيثاب السيد على إخراج ماله، ويثاب العبد على نيته.
وفي رواية لمسلم أيضا قال: كنت مملوكا فسالت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أأتصدق من مال مولاي بشيء؟ قال: نعم، والأجر بينكما نصفان».
وهذا محمول على ما يرضى به سيده.
والمراد بما جاء في هذه الأحاديث من كون الأجر بينهما نصفين أنه قسمان، لكل واحد أجر، ولا يلزم أن يكونا سواء، فقد يكون أجر صاحب الطعام أكثر، وقد يكون أجر المرأة والخازن والمملوك أكثر، بحسب قدر الطعام، وقد التعب في إنفاذ الصدقة، وإيصالها إلى المسكين.

.العشرون:

ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال: «اليد العليا خير من اليد السفلى» ثم في رواية: «فإن العليا المنفقة، والسفلى السائلة».
وفي أخرى للبخاري: «العليا المنفقة».
وفي أحاديث والله أعلم.

.الحادية والعشرون:

يحل أخذ صدقة التطوع لآل النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما مر.
وأما هو صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فيحرم عليه الجميع تمييزا لمرتبته الشريفة على مرتبة غيره.
إذ في الصدقة مطلقا نوع منه وذلك وسخ، فنزه مقامه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن ذلك بالكلية.
وجاز تطوعها لآله، لأنه ليس فيها كبير ذلك، بخلاف نحو الزكاة، فإن الوسخ فيها محقق، إذ هي طهرة للمال، وصاحبها كأنه مجبور عليها لوجوبها وتحتمها عليه، فليس فيها غالبا من رضى النفسن وانبساطها بها ما في صدقة التطوع.

.الثانية والعشرون:

قال في المجموع يحل للأغنياء أخذ صدقة التطوع بلا خلاف فيجوز دفعها غليهم، ويثاب دافعها عليها، ولكن المحتاج أفضل، ويستحب للغني التنزه عنها ويكره له التعرض لأخذها.
قال صاحب البيانك ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة. وهذا الذي قاله صحيح، وعليه حمل الحديث الصحيح: «أن رجلا من أهل الصفة توفي، فوجد له ديناران، فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: كيتان من نار».
وأما إذا سأل الغني صدقة التطوع، فقد قطع صاحب الحاوي والسرخسي وغيرهما بتحريمها عليه.
قال صاحب الحاوي: إن كان غنيا عن المسألة بمال فسؤاله حرام، وما يأخذه يحرم عليه، هذا لفظه.
وقال الغزالي وغيره من أصحابنا في كتاب النفقات: وفي تحريم السؤال على القادر على الكسب وجهان.
قالوا: وظاهر الأخبار تدل على تحريمه، وهو كما قالوا.
ففي الأحاديث الصحيحة تشديد أكيد في النهي عن السؤال، وظواهره كثيرة تقتضي التحريم.

.[ما حكم السؤال للمحتاج العاجز]:

وأما السؤال للمحتاج العاجز عن الكسب فليس بحرام ولا مكروه؛ وصرح به الماوردي وهو ظاهر، انتهى كلام المجموع.
وأفهم قوله ويكره له التعرض لها، إذا كان أخذ الغني لها بلا تعرض خلاف السنة وليس مكروها وهو ما أفهمه كلام الروضة أيضا.
وأما قول الأسنوي إنه مكروه ففيه مفسدة كتأذ وقطيعة رحم، وإلا فالأولى الأخذ إذا كان المال حلالا لا شبهة فيه، وإلا ندب له الرد، وإن حصل ما ذكر نقله في المجموع واعتمده من أن الغني متى أظهر الفاقة حتى أعطيها، أو سالها فأعطيها حرم عليه، هو المنقول المعتمد. قال الأذرعي لا يكون دفعها إليه سنة، بل إما مكروه أو حرام. انتهى. وجزم في محل آخر بالحرمة.
والذي يتجه عدم الحرمة لقولهم: قد يجوز الإعطاء، ويحرم الأخذ كما في الرشوة على حق، وكما يعطي للشاعر خوفا من لسانه.
ثم رأيت النووي صرح بما ذكرته من عدم الحرمة في شرح مسلم، وكان وجه ما ذكرته من القياس على ما قالوه في هذين الفرعين.
فإن قلت: قد يقال بينهما وبين ما نحن فيه فرق واضح، فإن الراشي على الحق معذور؛ لأنه يستخلص بذلك ماله مثلا، وكذلك معطي الشاعر يستخلص عرضه منه، فهما معذوران، فجاز لهما الإعطاء لعذرهما، ولم أر أن فيه إعانة على معصية وهي الأخذ، بخلاف مسألتنا فإنه لا عذر لمعطي الغني مع سؤاله أو إظهار الفاقة، فكان القياس ما جزم به الأذرعي من الحرمة لا ما ذكرته كشرح مسلم من عدمها.
قلت: سبب تحريم أخذ الغني مع السؤال وإظهار الفاقة رعاية حق المعطي كما هو ظاهر، فإن في سؤاله أو إظهار الفاقة تغريرا، أي تغرير المعطي، فلما كان سبب التحريم رعاية حق المعطي كما هو ظاهر، فإن في سؤاله أو إظهار الفاقة تغريرا، أي تغرير المعطي، فلما كان سبب التحريم رعاية جانب المعطي، لم يتجه القول بحرمة إعطائه لمن سأله، أو أظهر له الفاقة، لأنه لم يقصد بالإعطاء إلا البر والصلة، بخلاف من علم من الآخذ أنه يصرف ما يأخذ في محرم، فإنه بالإعطاء له معين له على تلك المعصية فافترقا، ثم المراد بالغني الذي يحرم عليه الأخذ مع السؤال أو إظهار الفاقة هو الغني في العرف وهذا ما قاله الصميري، لكن ضبطه الغزالي بأنه الذي يجد ما يأكله هو من في نفقته في يوم وليلة، وما يسترهم عن الناس من ثوب وسراويل ومنديل، وما يحتاجون إليه في أكلهم من الآنية، ويكفي أن يكون من الخزف.
قال: ولا يجوز أن يسأل ما يحتاج عليه بعد يومه وليلته إلا ألا يتيسر السؤال عند نفاد ما عنده، فله طلب ما يحتاجه لسنة، بخلاف ما إذا كان يتسر عند نفاد ذلك، فلا يجوز له السؤال قبل نفاده. انتهى.
قال الأذرعي: وينبغي جواز طلب ما يحتاج غليه إلى وقت يعلم بالعادة تيسر السؤال فالاستغناء، ولا يتجاوز ما اعتمده في المجموع من أن السؤال للمحتاج العاجز عن الكسب ليس بحرام ولا مكروه، وهو المعتمد أيضا.
وفي الجواهر وغيرها عن الغزالي: يباح السؤال لضرورة، كجوع وعري، ولحاجة مهمة، كمن لا جنة له، وتأذى بالبرد، وكأجرة مركوب لمن يشق عليه البرد والمشي، وترك السؤال أولى.
أما السؤال لحاجة غير مهمة، لثوب يتجمل به، ومحمل يركب فيه مع وجود الراحلة، فإن أظهر الحاجة، أو شكى الله تعالى، أو تذلل، أو ألح في الطلب حرم وإلا كره.
ويحل السؤال للمستغرق في طلب علم شرعي، وإن قدر على الكسب، والاكتساب أفضل من التخلي للعبادة، ويحرم سؤال واحد كفاية يوم وليلة وله مؤنة، وله سؤال قوته، ولو لسنة، ولو لم يتيسر له الطلب وقت حاجة. انتهى ملخصا.
وقوله: يباح السؤال للضرورة، مراده ما يعم الواجب، كما أنه ظاهر أنه يجب السؤال على مضطر توقفت إزالة اضطراره الذي يخشى منه مبيح تيمم على السؤال.
ثم رايت ما سأذكره عن الإمام وهو صريح فيما ذكرته.
وقوله: ترك السؤال أولى، أي في الشق الثاني والكلام في مجر تأذ خفيف بالبرد أو المشي، إما بأن يخشى منه مبيح تيمم، فيجب معه السؤال كما علم مما مر آنفا، لأنه ليس من قسم الحاجة المهمة، بل من قسم الضرورة، وظاهر تخصيصه حرمة السؤال مع أحد الأحوال الأربعة: الذل، أو الإلحاح، أو الشكوى، أو إظهار الفاقة بالحاجة غير المهمة: جواز السؤال مع الضرورة أو الحاجة المهمة، مع أحد هذه الأربعة، بل مع وجودها كلها، وهو ظاهر إن لزمه السؤال في الحالة التي قدمتها، أما حيث لم يلزمه فلا يجوز له مع واحد من هذه الأربعة، كما صرح به في الخادم، واقتضاه قول النووي في شرح مسلم، من أذل نفسه إذلالا زائدا على ذل السؤال، أو ألح فيه، وأذى المسؤول حرام باتفاق. انتهى.
ويؤيده ما يصرح به قول ابن الصلاح، والسؤال مع التذلل وإلحاح وإيذاء المسؤول حرام، وإن كان محتاجا.
والواو في كلامه بمعنى أو كما علم من كلام شرح مسلم، ومما يصرح بذلك أيضا وبما قدمته بحثا قول الإمام السؤال مع الإيذاء حرام مطلقا، ومع الحاجة جائز، والتعفف عنه أولى، ولغير حاجة مكروه إلا في مباسطة الأصدقاء، وواجب عند الضرورة. انتهى.
وقوله: إنه لغير حاجة مكروه على غير الحاجة المهمة، أو على الفقير، وقوله: والتعفف عنه أولى، يقتضي أنه غير مكروه، وبه صرح في المجموع نقلا عن الماوردي كما مر نقلا عنه، لكن اعترض بأن الذي في حاوي الماوردي الجزم بالكراهةن ويرد بأن النووي لم ينقله عن الحاوي حتى يعترض عليه بذلك وإنما نقله عن الماوردي، فلعل كلامه اختلف في كتبه، النووي عدم الكراهة، فلا يرد عليه ذلك الاعتراض هنا.
وإعتراض تجويزهم السؤال ولو مع الحاجة، فإنهم ذكروا لتحريمه أسباباس، وفي إظهار الحاجة والشكوى، والذل والإلحاح، والإيذاء والالتزام بالذل حياء، والسؤال مطلقا لا يخلو عن واحد من هذه، فأين المحل الذي يجوز فيه؟.
وأجاب الغزالي عن ذلك: بأن الأولين يندفعان بأن يظهر شكر الله تعالى والاستغناء عن الخلق، ولا يسأل سؤال محتاج، ويندفع الثالث بسؤال نحو قيبه أو صديقه أو سخي يعلم منه أنه لا ينقص بذلك في عينه؛ والرابع بأن لا يعير بالسؤال أحدا، فإن كان من القوم شخص تنظر إليه الأعين لو لم يبذل كان سؤاله إيذاء.
قال: ومتى أخذ شيئا مع العلم، أي أو الظن، بان باعث المعطي الحياء منه، أو من الحاضرين، لولولاه ما ابتدأه به، فهو حرام إجماعا، ويلزمه رده، أو رد بديله إليه، أو إلى وارثه. انتهى.

.[كيف نرد السائل؟]:

.الثالث والعشرون:

قال الحليمي وإذا لم يجد المسؤول شيئا فليدع لسائله بالرزق وغيره. وقال: ورد السائل صغيرة فإن انضم إليه نهره كبيرة. انتهى.
وما ذكره من الدعاء واضح وأما قوله إن رده صغيرة الخ فغريب جدا اللهم إلا أن يحمل على مضطر علم بحاله فرده صغيرة بل كبيرة كما هو ظاهر لما فيه من عظيم الإيذاء، ومن الامتناع من البذل الواجب عينا عليه، ويؤيد ذلك قول الأذرعي عقب كلام الحليمي وهو غريب جدا لكن يتجه في المعذور والمضطر مع العلم بحاله. انتهى.

.الرابعة والعشرون:

قال الغزالي: قد يعطي الإنسان المال لغيره تبرعا لحاجة إليه، أو لنسبه، أو لصلاحه ونحوه، فإن علم الآخذ أنه أعطاه إياه لحاجته، لم يحل له الأخذ، إلا أن يكون محتاجا، وإن علم أنه يعطيه لشرف نسبه لم يحل له الأخذ إن كان كاذبا فيه، وإن علم أنه أعطاه لعلمه لم يجز له الأخذ، إلا أن في العلم كما يعتقده المعطي، وإن أعطاه لدينه وصلاحه لم يحل له الأخذ، إلا أن في العلم كما يعتقده المعطي، وإن أعطاه لدينه وصلاحه لم يحل له الأخذ إن كان فاسقا في الباطن فسقا لو علم به المعطي لما أعطاه. انتهى.
وفي العلم في جميع ذلك غلبة الظن كما هو ظاهر، وقضية قوله لا بد أن يكون في العلم كما اعتقده أنه لا بد أن يكون في الدين والصلاح كما ظنه المعطي، وإلا لم يجز له الأخذ، وإن لم يكن عنده فسق أصلا.

.[الكافر والصدقة]:

.الخامسة والعشرون:

يندب التصدق على الكافر للأحاديث الصحيحة السابقة «في كل كبد رطبة أجر».
ولا فرق بين الحربي وغيره كما أفاده صريح قول المجموع: من تصدق على كافر ولو حربيا فله أجر في الجملة؛ فاستفيد منه ندب التصدق ولو على حربي.
وكأن الأذرعي والزركشي لم يستحضرا عبارة المجموع هذه، حيث نقل الثاني حرمة التصدق على الحربي وسكت عليها.
وحيث قال الأول هنا أي حل الصدقة على كافر في نحو من له عهد أو ذمة أو قرابة، أو يرجى إسلامه، وإلا ففي جواز الصدقة عليه بما له وقع من المال نظر، ولا سيما إذا كان يحمله إلى دراهم. انتهى.
والجواز ظاهر جدا، وإنما الكلام في الندب.
وقد علمت أن عبارة المجموع مصرحة به، نعم إن كان بإعطائه مرتب مفسدة والذي ينبغي حرمته، وشمل كلامه حل التصدق على الكافر ولو من أضحية التطوع، لكن نص الشافعي رضي الله تعالى عنه في البويطي على المنع.